الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
وقول عبيد بن الأبرص: وقرأ أبي {مِن رَّحْمَةِ الله} وعبد الله {مِن فَضْلِ الله} وكلاهما عند أبي حيان تفسير لا قراءة. وقرئ {تأيسوا}.وقرأ الأعرج {تيئسوا} بكسر التاء والأمر والنهي على ما قيل إرشاد لهم إلى بعض ما أبهم في قوله: {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86] ثم إنه عليه السلام حذرهم عن ترك العمل وجب نهيه بقوله: {أَنَّهُ} أي الشأن {لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} لعدم علمه بالله تعالى وصفاته فإن العارف لا يقنط في حال من الأحوال أو تأكيدًا لما يعلمونه من ذلك، قال ابن عباس: إن المؤمن من الله تعالى على خير يرجوه في البلاء ويحمده في الرخاء.وذكر الإمام أن اليأس لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم، واعتقاد كل من هذه الثلاث يوجب الكفر فإذاكان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحدها وكل منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرًا، واستدل بعض أصحابنا بالآية على أن اليأس من رحمة الله تعالى كفر، وادعى أنها ظاهرة في ذلك.وقال الشهاب: ليس فيها دليل على ذلك بل هو ثابت بدليل آخر، وجمهور الفقهاء على أن اليأس كبيرة ومفادة الآية أنه من صفات الكفار لا أن من ارتكبه كان كافرًا بارتكابه، وكونه لا يحصل إلا عند حصول أحد المكفرات التي ذكرها الإمام مع كونه في حيز المنع لجواز أن ييأس من رحمه الله تعالى إياه مع إيمانه بعموم قدرته تعالى وشمول علمه وعظم كرمه جل وعلا لمجرد استعظام ذنبه مثلًا واعتقاده عدم أهليته لرحمة الله تعالى من غير أن يخطر له أدنى ذرة من تلك الاعتقادات السيئة الموجبة للكفر لا يستدعي أكث من اقتضائه سابقية الكفر دون كون ارتكابه نفسه كفرًا كذا قيل، وقيل: الأولى التزام القول بأن اليأس قد يجامع الايمان وأن القول بأنه لا يحصل إلا بأحد الاعتقادات المذكورة غير بين ولا مبين.نعم كونه كبيرة مما لا شك فيه بل جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه تعالى عنه أنه أكبر الكبائر، وكذا القنوط وسوء الظن، وفرقوا بينها بأن اليأس عدم أمل وقوع شيء من أنواع الرحمة له، والقنوط هو ذاك مع انضمام حالة هي أشد منه في التصميم على عدم الوقوع، وسوء الظن هو ذاك مع انضمام أنه مع عدم رحمته له يشدد له العذاب كالكفار. وذكر ابن نجيم في بعض رسائله ما به يرجع الخلاف بين من قال: إن اليأس كر ومن قال: إنه كبيرة لفظيًا فقال: قد ذكر الفقهاء من الكبائر الأمن من مكر الله تعالى واليأس من رحمته وفي العقائد واليأس من رحمة الله تعالى كفر فيحتاج إلى التوفيق. والجواب أن المراد باليأس إنكار سعة الرحمة للذنوب، ومن الأمن الاعتقاد أن لا مكر، ومراد الفقهاء من اليأس اليأس لاستعظام ذنوبه واستبعاد العفو عنها، ومن الأمن الأمن لغلبة الرجاء عليه بحيث دخل في حد الأمن ثم قال. والأوفق بالسنة طريق الفقهاء لحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا حيث عدها من الكبائر وعطفها على الإشراك بالله تعالى اه وهو تحقيق نفيس فليفهم.
وكنى بها عن القليل أو الرديء لأنه لعدم الاعتناء يرمى ويطرح، وقيل: كانت بضاعتهم من متاع الأعراب صوفًا وسمنًا، وقيل: الصنوبر وحبة الخضراء وروى ذلك عن أبي صالح. وزيد بن أسلم، وقيل: سويق المقل والأقط، وقيل: قديد وحش، وقيل: حبالًا وإعدالًا وأحقابًا، وقيل: كانت دراهم زيوفًا لا تؤخذ إلا بوضيعة، وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمروى عن الحسن تفسيرها بقليلة لا غير، وعلى كل فمزجاة صفة حقيقية للبضاعة، وقال الزجاج: هي من قولهم: فلان يزجى العيش أي يدفع الزمان بالقليل، والمعنى إنا جئنا ببضاعة يدفع بها الزمان وليس مما ينتفع بها، والتقدير على هذا ببضاعة مزجاة بها الأيام أي تدفع بها ويصير عليها حتى تنقضي كما قيل: وما ذكر أولًا هو الأولى، وعن الكلبي أن {بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} من لغة العجم، وقيل: من لغط القبط. وتعقب ذلك ابن الانباري بأنه لا ينبغي أن يجعل لفظ معروف الاشتقاق والتصريف منسوبًا إلى غير لغة العرب فالنسبة إلى ذلك مزجاة.وقرأ حمزة. والكسائي {مزجية} بالإمالة لأن أصلها الياء، والظاهر أنهم إنما قدموا هذا الكلام ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم ببعث الشفقة وهز العطف والرأفة وتحريك سلسلة الرحمة ثم قالوا: {مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الكيل} أي أتمه لنا ولا تنقصه لقلة بضاعتنا أو رداءتها، واستدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} ظاهره بالإيفاء أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها.وقال الضحاك. وابن جريج. إنهم أرادوا تصدق علينا برد أخينا بنيامين على أبيه، قيل: وهو الأنسب بحالهم بالنسبة إلى أمر أبيهم وكأنهم أرادوا تفضل علينا بذلك لأن رد الأخ ليس بصدقة حقيقة، وقد جاءت الصدقة عنى التفضل كما قيل، ومنه تصدق الله تعالى على فلان بكذا، وأما قول الحسن لمن سمعه يقول: اللهم تصدق على إن الله تعالى لا يتصدق إنما يتصدق من يبغي الثواب قل: اللهم أعطني أو تفضل على أو ارحمني فقد رد بقوله صلى الله عليه وسلم: «صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته» وأجيب عنه مجازًا ومشاكلة، وإنما رد الحسن على القائل لأنه لم يكن بليغًا كما في قصة المتوفي، وادعى بعضهم تعين الحمل على المجاز أيضًا إذا كان المراد طلب الزيادة على ما يعطي بالثمن بناء على أن حرمة أخذ الصدقة ليست خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه سفيان بن عيينة بل هي عامة له عليه الصلاة والسلام ولمن قبله من الأنبياء عليهم السلام وآلهم كما ذهب إليه البعض، والسائلون من إحدى الطائفتين لا محالة، وتعقب بأنا لو سلمنا العموم لا نسلم أن المحرم أخذ الصدقة مطلقًا بل المحرم إنما هو أخذ الصدقة المفروضة وما هنا ليس منها، والظاهر كما قال الزمخشري: أنهم تمسكنوا له عليه السلام بقولهم: {مَسَّنَا} إلخ وطلبوا إليه يتصدق عليهم بقوله: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} فلو لم يحمل على الظاهر لما طابقه ذلك التمهيد ولا هذا التوطيد أعني {إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين} بذكر الله تعالى وجزائه الحاملين على ذلك وإن فاعله منه تعالى كان.قال النقاش: وفي العدول عن إن الله تعالى يجزيك بصدقتك إلى ما في النظم الكريم مندوحة عن الكذب فهو من المعاريض، فإنهم كانوا يعتقدونه ملكًا كافرًا وروى مثله عن الضحاك، ووجه عدم بدءهم بما أمروا به على القول بخلاف الظاهر في متعلق التصدق بأن فيما سلكوه استجلابًا للشفقة والرحمة فكأنهم أرادوا أن يملأوا حياض قلبه من نميرها ليسقوا به أشجار تحسسهم لتثمر لهمغرض أبيهم، ووجهه بعضهم ثل هذا ثم قال: على أن قولهم {وَتَصَدَّقْ} إلخ كلام ذو وجهين فإنه يحتمل الحمل على المحملين فلعله عليه السلام حمله على طلب الرد ولذلك:
|